ارتفاع
الطلاق يعصف بالنسيج الاجتماعي وترابط الأسر
لم يكن يتخيل هؤلاء
الأبناء أن تنتهي العلاقة بين أبويهم إلى الأبد، فلا وجود لمعاني السعادة والحب وتحقيق
الرغبات المشتركة بينهم انطلاقا من هذه اللحظة، ويعتبر هذا النموذج أحد المشاهد
المتكررة في أكثر من بيت فلسطيني نتيجة ارتفاع الطلاق في قطاع غزة.
ويقول مدير دائرة
الإرشاد والإصلاح الأسري في المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الأستاذ عبدالخالق
البحيصي أنه " من خلال المعايشة والحالات التي تصل للقضاء الشرعي وجدنا أن
تدخل العم والعمة أفسد العلاقات الزوجية وكان له دور بارز ونسبة كبيرة في
الطلاق".
إحصاءات
وأرصاد
وحسب دراسة رصدتها
دائرة الإرشاد، فإن الكثير من أسباب الطلاق تختلف من شريحة إلى أخرى ومن فرد لآخر،
حيث تبين أن أغلب حالات الطلاق تحدث في أول 3 سنوات من الزواج نتيجة عدم اختيار
الزوجة المناسبة، وتدخل الأهل في العلاقة بين الزوجين، وليس أخيرا عدم المعاشرة
الصحيحة والتوافق الاجتماعي الجيد.
ويظهر التقرير السنوي
للقضاء الشرعي الفلسطيني ارتفاعا ملحوظا في نسبة الطلاق، حيث بلغت نسبة الطلاق إلى
الزواج في العام 2008 بمعدل 13.1%، وفي سنة 2014 ارتفعت لمعدل 16.3%، أي أن هناك 7
حالات طلاق في اليوم الواحد.
عادات
قديمة
وأضاف البحيصي
"في السابق كان هَمْ الزوجة أن تنال مديح ورضا العم والعمة وهي من ضمن
العادات القديمة التي كان لها دور في تماسك الشعب الفلسطيني" مشيرا إلى أن
انتشار التعليم في غزة أدى إلى معرفة الفتاة المتعلمة لحقوقها الزوجية بشكل جيد،
والذي تستطيع بذلك أن تطلب حقوقها بقوة، وهذا يشكل سببا رئيسيا في الطلاق.
وقال "إن عدم
الإنجاب وعُقُم أحد الطرفين، وكذلك الممارسات غير الشرعية للمعاشرة الزوجية كطلب
الزوج من زوجته الإتيان من الخلف، كل ذلك قد يؤدي بالنهاية إلى طلب الطلاق".
ارتفاع
ملحوظ
في حين يرى البحيصي، أن
هناك ارتفاعا ملحوظا في حالات الطلاق خلال الفترة الأخيرة بفعل التكنولوجيا
الحديثة الموجودة في المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن الشاب يجلس على موقع
الفيس بوك طوال الليل ويتسبب ذلك بتنامي الخلافات بين الزوجين والشعور بالغيرة
وفقدان الثقة بينهما، الأمر الذي يتطور لاحقا إلى حد الطلاق خصوصا بين الشبان.
ويعد العامل
الاقتصادي سببا سحريا في تفكك العلاقات الأسرية، فيخرج الشاب بعد زواجه بديون
ثقيلة ويضطر للسكن مع أهله فتصبح حينها المشاكل مزدوجة، ووجود احتكاك دائم بين أهل الزوج وزوجته، والأصل أن يكون
للزوجين بيت مستقل فيه الراحة، واذا لم
يتوفر ذلك في بعض الأحيان فان نتيجته الطلاق.
نظرة غير
اعتيادية
ويترتب على هذه
الاسباب نتائج سلبية في المجتمع تتعلق بالزوج والزوجة بعد طلاقهما، وهي أن الزوجة
المطلقة يَنظر لها المجتمع نظرة غير اعتيادية، وتعاني خلالها معاناة شديدة من
الزواج بآخر، حيث أن من أراد أن يتزوجها يفكر تفكيرا عميقا؛ لأن المقبل على الزواج
ينظر للمطلقة نظرة سلبية من حيث خوضها لتجربة فاشلة مع زوجها السابق.
ويرى البحيصي
أن" إهمال كل من الزوجين لأطفالهم يؤدي إلى التأخر الدراسي وعدم الإنفاق
عليهم وإصابتهم باضطرابات سلوكية، نتيجة عدم وجود يد حانية وعاطفة عليهم، حيث لوحظ
أن هناك نسبة كبيرة من الطلاب متأخرين دراسيا وأصحاب سلوك سيء".
وأشار إلى وجود دور
فعال لشؤون العشائر والإصلاح بغزة في الإصلاح بين الزوجين وعدم التسبب في طلاقهما،
غير أن هناك بعض السلبيات قد تصدر منهم؛ إن كان التوافق بين الزوجين مستعصيا
والطلاق هو الحل، وذلك بأن يقوموا بتوقيع اتفاقية مع الزوجة بالتنازل عن حقها
الشرعي في حضانة أبنائها لمن هم دون 9 سنوات.
فهم ضيق
وتنتشر حالات ترك
الزوجة معلقة في غزة بكثرة، فمن خلال التواجد في القضاء الشرعي لإجراء بعض
المقابلات، تم إرسال أكثر من دعوة لأحد الأزواج بالحضور والتفاهم لدى القضاء،
بالإضافة إلى الاتصال عليه أكثر من مرة، وفوجئنا برفضه للحضور وقوله" أريد
1700 دينار عفش بيت حتى أفكر بالطلاق والتنازل عن الأولاد، وإلا تبقى زوجتي
معلقة".
ويرى البحيصي
أنه" لابد من عقد دورات للمقبلين على الزواج لتوضيح الحياة الزوجية والمعاشرة
الصحيحة بينهم، وحسن اختيار الزوجة الصالحة والمتدينة، والتعامل الجيد في العلاقات
الاجتماعية، وكيفية أن يسير الزوج بأسرته وتخطي جميع المشاكل التي تواجهه على
منهاج الاسلام وسنة المصطفى، ولدولة ماليزيا دور ناجح ورائد في هذه الدورة حيث
انخفضت نسبة الطلاق عندهم من 33% إلى 7% خلال خمس سنوات.
طبيعة
الأسرة
ويعتبر أنور العبادسة
الدكتور المحاضر في علم النفس بالجامعة الإسلامية أن " الوضع الطبيعي للأسرة يتكون
من زوجين وأطفال وأن يعيش الطفل مع والديه وليس مع أب واحد، وهذه الحالة الطبيعية
هي التي تحفظ للطفل توازنه وصحته النفسية وتضمن له نموا سويا في كافة الاتجاهات
النفسية والعقلية والانفعالية والأخلاقية".
ويضيف " إن وجود
خلافات بين الزوجين يشعر بها الطفل حتى لو كان الخلاف خفيا، والطفل بحسه الفطري
يشعر بهذه الخلافات ويتأثر بها، ويظهر على الطفل نوع من القلق والتوتر والسلوك
العدواني والتبول اللاإرادي والكذب والسرقة، وربما تزداد الأمور سوءا في حالة
الطلاق".
ويرى العبادسة أن
" الطلاق يتم مع الخصومة وأحيانا الفجور في الخصومة، فيمنع أحد الزوجين الآخر
من رؤية أطفاله وفي حال وجود المشاهدة والرؤية للأطفال يُحرِّض أحد الزوجين الأطفال
على الزوج الآخر، ويقع الأطفال في حالة تجاذب وصراع بين الزوجين، كل منهما يحرض
على الاخر، مما يزيد الأمور سوءا".
الأب
قدوة
ويتابع " لعل من
أسوء ما يحدث في هذه الحالات تدمير صورة الأب أو الأم في عين الطفل، وينهار ذلك
النموذج والقدوة في عين الطفل، وحينما ينهار يفقد الطفل القدوة والنموذج والمثال،
عندها قد ينشأ الطفل وهو يعاني من ضعف المنظومة القيمية والأخلاقية، وفي حالات
كثيرة ينحدر الطفل نحو سلوكيات غير سوية وربما إجرامية".
ولابد للحياة الزوجية
أن تقوم على أسس المحبة والرحمة وحسن العشرة والمعاملة والاحترام المتبادل، وأن
يعذر أحد الطرفين الآخر، والتعاون فيما بينهم والتكافل والتكاتف لحل المشكلات،
واحترام كل منهم لدور الآخر ووظيفته في إدارة الأسرة والحياة الزوجية.
ويقوم
القانون الفلسطيني على إعطاء الزوج مكانته ودوره، وللزوجة عالمها ودورها، حيث لا يمكن
للأسرة أن تسير سيرا سويا بدون أن يعترف كل منهما للآخر بفضله ودوره، وإلا ستكون
الحياة الزوجية صعبة الاستمرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق