مجال الخطابة يزيد من موهبتي ويرفع همتي
غزة- سامح السرحي
كعادته كل يوم، يخرج الطفل محمد أبوعاصي (15 عام) من بيته ممسكا بيده
البيضاء التي تسعى للخير بأخيه الصغير، ليوصله إلى المسجد الذي ينوي الخطابة فيه،
ومن ثم يصعد على المنبر ويصدح بأعلى صوته نحو المصلين بكلماته القوية التي صنعت
منه خطيبا ماهرا رغم صغر سنه.
وُلِد محمد بصيرا يرى ما حوله، غير أنَّ قدرُ الله أراد له أن يكمل حياته
مكفوف العينين، وذلك لإصابته منذ الطفولة بمرض تجلط الدم في الجسد الذي أثر على
شبكية وقرنية عينيه، فأصبح يشعر تدريجيا بغبش وفقدان للرؤية إلى أن فقدها كليا وهو
بالصف الرابع.
ويعيش محمد بين أسرة متواضعة ميسورة الحال، حيث يبلغ من العمر خمسة عشر عاما
ويدرس بالصف الأول الثانوي، وهو الرابع بين ترتيب إخوته، ويحفظ من القرآن الكريم
أربعة أجزاء، ولديه عدة مواهب أخرى بجانب الخطابة وهي " تلاوة القرآن الكريم
بالتجويد، والنشيد، وإلقاء الشعر، والتمثيل، والتقديم الإذاعي".
وعن حبه للخطابة يقول محمد "شكري لله يزيد من مواهبي وقدراتي، حيث
أنني أعطي اهتماما كبيرا لهذه الموهبة وأضع كل جهدي للعمل على صقلها وتنميتها بشتى
الوسائل والأساليب المتنوعة كالسماع للمشايخ والدروس الدينية وقراءة الكتب التي
أتحصل عليها من بعض المكتبات الخاصة بالمكفوفين".
كان الهَمّ الأكبر لمحمد هو توجيه الناس للخير وتبليغهم دعوة الإسلام
الصحيحة، الذي دفعه لحب الخطابة والشعور بأهمية تنميتها ، فالناس تحتاج إلى
الداعية والخطيب الذي يؤثر فيهم ويلامس قلوبهم،
وأضاف :" لا شك بأن كل إنسان لديه موهبة بسيطة ولكن مع الزمن يستطيع
تطويرها والنجاح بها ".
وكان والده أول من شجعه للاستمرار في إلقاء الخطب والدروس الدينية، وممن
أخذ بوصيتهم والدته المتوفية قبل نحو أربع سنوات حيث كانت تقول له: " احفظ
القرآن يا محمد، بدي إياك تكون داعية " مما شجعه ذلك على اقتناء هذه الوصية
في صدره والإصرار على تطبيقها.
عَلَت الابتسامة وجه محمد وهو يتحدث عن صعوباته ، قائلا " كل إنسان عادي
يواجه صعوبات، لكنَّ الإرادة تكسر هذه الصعوبات " مستشهدا بقول الشيخ
عبدالحميد كشك في أحد دروسه " إذا وجدت أي عقبة فاقفز عنها ولا تدعها تقف
حاجزا أمام طموحك ".
ومن الصعوبات التي كانت تقف حائلا في بداية مشواره الخطابي، صعوبة الحصول
على الدروس الدينية المكتوبة بطريقة "برايل"، الأمر الذي دفعه للبحث
والسعي إلى الحصول على هذه الماكينة التي تكتب بهذه الطريقة، كي يسمع الدروس
ويكتبها بنفسه ويقوم على طباعتها وقراءتها.
وفي مسجد أم المؤمنين عائشة بحي الزيتون، يقف أبوعاصي على المنبر الذي أحبه
ويتحدث فيه بصوت الواثق من نفسه عن أهوال يوم القيامة وأحوال المؤمنين في الجنة،
ومن مسجد إلى مسجد تطورت معه موهبة الخطابة التي تدرجت به لصعود منبر الجمعة أمام
المصلين بمسجد ساق الله.
وعن الطموحات التي يحلم فيها محمد يقول " سأدرس الدراسات الإسلامية أو
الصحافة والإعلام حتى أبلغ رسالة الإسلام السمحة وأساسيات التعامل بين الناس،
وسأعمل على تسجيل ونشر الخطب الدينية على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات
الإنترنت، ويسعدني أيضا المشاركة في المسابقات العالمية والدولية في مجال الخطابة
التي تزيد من موهبتي وترفع من همتي"
ومع كل نبضة قلب من جسد محمد يتابعها تفكير سليم وهادف تدفعه بأن يردد
دائما في جلساته مع إخوانه وأحبابه المكفوفين " لا تيأسوا ولا تحزنوا واصبروا
فإن الله سبحانه وتعالى مع الصابرين واعلموا أن المعاق ليس معاق الجسد ولكن المعاق
هو معاق القلب والفكر والعقل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق